الاثنين، 10 أبريل 2017

نظرية التعلم الاجتماعي وتطبيقاتها التربوية

نظرية التعلم الاجتماعي وتطبيقاتها التربوية
تعددت النظريات التي تحاول تفسير كيفية حدوث التعلم، ومن هذه النظريات نظرية التعلم الاجتماعي.
نظرية التعلم الاجتماعي (وتسمى أيضا التعلم بالملاحظة)، طرحها ألبرت باندورا. وهي تقلل من أهمية التعزيز في التعلم، كما تراه المدرسة السلوكية، وتعزو التغير في السلوك والتعلم إلى الملاحظة والتقليد. (Snowman, 1997, p. 294)
النقطة الأساسية في نظرية التعلم الاجتماعي هي أن الناس يتعلمون من خلال التقليد وملاحظة نماذج القدوة، وأن ما يشاهده الأطفال يكون له تأثير كبير على سلوكهم الاختياري. ولذلك يطلق على هذه النظرية أيضا نظرية التعلم بالملاحظة. ومن الواضح أن أصل الفكرة ليس جديدا، فأثر الملاحظة والتقليد في التعليم معروف منذ القدم.
وهي في الأصل امتداد وتطوير للنظرية السلوكية، حيث ترى نظرية التعلم بالملاحظة أن التعلم يحصل نتيجة لمحاكاة سلوك مشاهد، لكن هذه المحاكاة لا تكون بشكل فوري وآلي بل بعد عمليات عقلية تشمل تنظيم المعلومات وتفسير المثيرات (السلوك الملاحظ) وتكوين الفروض عن نوع الاستجابة المرغوبة التي تؤدي إلى التعزيز المطلوب (فطيم والجمال 1988، 154).
وتحاول النظرية أن تفسر كيف أن ما يشاهده الأطفال من مواقف عدوانية تجاه الآخرين، سواء حقيقية أو في التلفزيون، ينعكس على سلوكهم مع الآخرين، خاصة إذا حصل ذلك الملاحَظ على مكافأة نتيجة لعدوانيته.
طرق حدوث التعلم:
حسب النظرية الاجتماعية في التعلم، فإن الفرد يتعلم من خلال مشاهدة سلوك الآخرين. ويكون التعلم حسب الأنماط التالية:
الامتناع (الإحجام): ففي كثير من الأحيان نتعلم ألا نفعل الشيء الذي نعرف كيف نعمله لأن النموذج (القدوة) الذي نلاحظه أحجم عن فعله، أو عوقب بعدما فعله، أو فعل شيئا مختلفا عما قصدنا عمله. فالمتعلم هنا يقلد ما يراه أمامه، فيكف عن العمل. فالملاحظة كانت سببا في ترك العمل.
الإغراء (Disinhibition): ويكون حين نقوم بعمل لا يكون عادة مقبولا، لكننا نفعله لأننا نرى نموذجا يفعله ولا يعاقب. مثال ذلك طالب يرى الفوضى عند مقصف المدرسة ويرى عدم الاهتمام بالنظام ولا أحد ينكر ذلك من المعلمين فيقوم بعمل الشيء نفسه، ففعل الآخرين لهذا العمل غير المقبول وعدم وجود عقوبة يؤديان إلى أن يتعلم الفرد فعل ذلك الشيء.
التيسير: Facilitation حيث يقوم الفرد بعمل شيء ما لم يكن يفعله عادة، ليس بسبب أنه ممنوع بل بسبب أنه ليس لديه دافع لفعله، لكنه يتشجع لفعله بعد رؤيته لمن يفعله. مثل أن يقوم شخص بالتصفيق لمحاضر أعجبه حديثه بعد أن يبدأ غيره بالتصفيق.
تعلم الملاحظة الحقيقي: True observational learning وفيه يكون التعلم نتيجة لملاحظة مقصودة والهدف منها المحاكاة. مثال ذلك، طالب يراقب كيف يرسم معلم التربية الفنية البيت فيرسم مثله.
مراحل عملية التعلم بالملاحظة:
التعلم بالملاحظة لا يحدث فجأة أو من خطوة واحدة، بل عادة ما تمر عملية التعلم بالملاحظة بأربع مراحل رئيسة، ومن خلال هذه المراحل الأربع جميعا تتم عملية التعلم بالملاحظة.
1. الانتباه: فلكي نتعلم من الآخرين لا بد أن نتنبه لما يعملون ونلاحظه باهتمام ومتابعة، فأولى المراحل هي ملاحظة السلوك المراد تعلمه والانتباه له.
2. الاسترجاع: فما نشاهده من سلوك، لا يلزم لكي نتعلمه أن نؤديه في الحال، بل قد نحتفظ به حتى يأتي وقت نكون بحاجة إلى استخدامه، فتحدث عملية التقليد والتعلم من الملاحظة.
3. الدافعية، بحيث يكون لدى المتعلم دافع لأداء السلوك الذي سبق ورآه، ورأى نجاح الآخرين في أدائه. وهذا الدافع غالبا ما يحكمه الموقف الذي يمر به الفرد.
4. الإنتاج، وهو أداء العمل كما رآه المتعلم. ومن الطبيعي أن أداءه في أول الأمر لن يكون على درجة عالية من الإتقان، لكنها البداية، ويزداد الإتقان مع تكرار ذلك العمل، ومع تكرار ملاحظة المثال الأول.
التطبيقات التربوية لنظرية التعلم الاجتماعي
لهذه النظرية تطبيقات كثيرة، وقد اعتمد عليها المربون منذ أقدم العصور. ومن ذلك:
- أن يقوم المعلم بعرض المهارات التي يرغب من الطلاب أداءها، ويكرر ذلك حتى يعطي الفرصة الكاملة لهم في مرحلة الانتباه.
- أن يكافئ من يقومون بأداء المهارات المطلوب تعلمها، حتى يغري الطلاب الآخرين بأداء العمل.
- الحرص على ألا يتعرض الطلاب وبخاصة الصغار لمشاهد غير مرغوبة، كمشاهد العنف ونحوها، لأن ذلك قد ينعكس على سلوكهم.
https://www.facebook.com/abdellah.oulad.lhadj/posts/135218770022115

نقد جاكوب غويرتز لنظرية باندورا

نقد جاكوب غويرتز لنظرية باندورا

لم تمر نظرية باندورا دون أن تواجه التحدي المباشر. و لعل أكبر نقد مفصل لها كان ذلك الذي قدمه جاكوب غويرتز Gewirtz . فباندورا يرفض مواقف تعزيز المثير و الاستجابة لأنها تتغاضى عن الحقيقة القائلة : إن الناس يستطيعون تعلم الشيء الكثير في غياب المران الصريح و التعزيز الخارجي بمجرد ملاحظة تعاقب سلوك يؤديه أشخاص آخرون أمامهم. و يشعر غويرتز بعدم الارتياح في استنتاجه أن هذا يوضح حقيقة تعلم الاستجابات الجديدة . فهو يقول إن هذه النتيجة غير ممكنة لأن تاريخ تعلم الأفراد بأكمله غير معروف في التجارب النموذجية التي تدعي أنها توضح اكتساب الاستجابة الجديدة. و بدلاً من ذلك فإنه يمكن اعتبار التعلم بالملاحظة بصورة ملائمة أكثر كحالة خاصة من التعلم الوسيلي الذي يكون فيه حضور نموذج و عمل هذا النموذج عاملاً ميسراً لاستجابة الملاحظ الذي سبق له تعلمها أكثر من جعل الاستجابات الجديدة أكثر مناسبة. و من الممكن كذلك ، حسب رأي غويرتز، أن الشخص الملاحظ قد يكون قد اكتسب فئة استجابة من سلوك محاكاة عبر مواقف محاكاة النماذج المختلفة ، وضمن فئة الاستجابات من نوع المحاكاة، فإن أنماط السلوك متساوية وظيفياً لأنها أدت إلى التعزيز الخارجي في الماضي، و لأنها جرت مقارنتها باستجابات النموذج الذي اتبع. و لما كانت فئة الاستجابات ككل يجري الاحتفاظ بها عن طريق التعزيز الخارجي على جدول تعزيز متقطع ، فإن بعض أنماط السلوك القائمة على المحاكاة يجري أداؤها حتى لو لم تكن هي نفسها تتلقى التعزيز. و استخدام مفهوم لفئة الاستجابات على هذا النحو يفسر حدوث المحاكاة غير المعززة.

و في رده على وجهات نظر غويرتز، يرى باندورا أنه يمكننا بكل تأكيد التوصل إلى الاستجابات الوسيلية التي جرى تعلمها في السابق من قبل الشخص الملاحظ عن طريق استخدام نموذج. غير أن التوصل إلى السلوك الذي سبق اكتسابه بهذه الطريقة يسمى التيسير الاجتماعي (Social Facilitation ) ( انظر الفرضية رقم ٩ و الفرضية رقم ١١) ، و هذا لا يمثل الشيء ذاته كقضية الجدة ( أو الحداثة ) . و القضية الهامة بالنسبة لنظرية تقوم على التعلم بالملاحظة، وفقاً لما يقوله باندورا، هي تفحص كيف يكتسب شخص ما الاستجابات الجديدة بالملاحظة ، و ليس تفحص كيف يجري تيسير استجابات سبق تعلمها من قبل . و بدلاً من التحكم في جميع خبرات التعلم بالمحاكاة السابقة ، فإن باندورا يستخدم مثل هذه المثيرات اللفظية مثل لفظ كلمة استمساكو estosmacko الغريبة التي لم يسمع الأشخاص الذين كان يجري عليهم تجاربه بها قبل بدء تجربته . و ليس من الضروري مراقبة كل احتمالات التعلم السابق فحسب ، بل إن باندورا يتساءل عما إذا كانت معرفة الظروف المرتبطة بالمحاكاة السابقة مفيدة في تفسير التعلم بالملاحظة فيما بعد. فقد يرغب الأطفال في تعلم أنواع مختلفة من السلوك في مختلف مراحل نموهم . و لذلك فإن محددات أنماط المحاكاة الأولى قد تقدم تفسيراً غير كاف، بل ربما تفسيراً خاطئاً لكيفية اكتساب الاستجابة القائمة على نموذج فيما بعد.
انتقد باندورا نظريتي غويرتز و هولط على أساس أنهما مهتمتان في الأساس بالتيسير الاجتماعي . على أي حال فإن هاتين النظرتين تتصديان لمشكلة تطورية هامة ، و هي أصل المحاكاة. و البيانات الأمبيريقية المتاحة توحي بكل قوة أن المحاكاة خلال الستة الشهور الأولى من الحياة هي بالفعل عملية تيسير اجتماعي حقيقي . و بعبارة أخرى فإن الأطفال يمكنهم فقط محاكاة الأعمال التي تمرنوا عليها جيداً ، و المتاة في رصيدهم الخاص من الاستجابات.و نتيجة لذلك إذا كنا مهتمين بمشكلة أصل المحاكاة ، فلا بد لنا من التعامل مع السؤال الخاص بكيفية تمكن الأطفال من اكتساب القدرة على نسخ استجابات النموذج التي تكون ضمن رصيدهم الخاص من الاستجابات (أو التيسير الاجتماعي ) . و يتاح لنا عرض علمي لنظريات المحاكاة يختص بهذه المشكلة
 
 

تقييم نظرية التعلم الاجتماعي

الطفل
تقييم نظرية التعلم الاجتماعية 
 
أكدت نظرية التعلم الاجتماعية على أن المتغيرات البيئية تؤدي إلى ظهور سلوكيات محددة . وهذا قادنا إلى رؤية السلوكيات البشرية كاستجابات لظروف محددة و هذا ما يدعوا للانتباه إلى أن الظروف البيئية تسيطر و تحكم سلوكنا فإذا قمنا بتغييرها تغير السلوك .
و سنرى في الوحدة العشرين أن تطبيق مبادئ نظريات التعلم قد حقق نجاحا" كبيرا" في تغيير السلوك الغير موافق عليه .
وقد تم نقد واضعي نظريات التعلم الاجتماعية بسبب توكيدهم على العوامل البيئية في تحديد السلوك متجاهلين اختلافات الفرد نفسه , فقد أظهروا على سبيل المثال  اهتماما" قليلا" في الاختلافات الفطرية التي تجعل أحد الأشخاص حاد الطبع و آخر متطرفا" بشكل سلبي .
ينظر واضعي نظريات التعلم الاجتماعية إلى الشخصية كشخصية حاملة بعض التوازن و لكن تتغير تبعا" للظرف الذي يكون مخالفا" لتجربة أو خبرة معظم الناس .
لقد فشل واضعوا نظريات التعلم الاجتماعية في قدرتهم على تحقيق فكرة واضحة عن كيف تستطيع السلوكيات المتعلمة المتعددة أن تتوحد و تدمج مع بعضها لتشكل شخصية متكاملة
 
 

قراءة في نظرية التعلم الاجتماعي

التعلم الاجتماعي

مقدِّمة

لم يعد التعليم كما كان في الماضي ( فعل إلقاء وتلقي ) يقوم على المخزون المعرفي لدى المعلمين، والقدرة الاستيعابية لدى الطالب. فمع تطور الحياة بكافة جوانبها ودخولها عصرها التكنولوجي، تراجعت أهمية المعرفة إلى الدرجة الثانية، ليتربع على عرش العلم الجانب التطبيقي أو ما يسمى كفاءة الممارسة. وهنا برزت التخصصات المختلفة والمتنوعة لتحقيق أفضل أشكال الكفاءة، عن طريق الاهتمام المركّـز على الجزئيات، بدلاً من الضياع ضمن العموميات والقضايا الكلية، التي لا تستطيع تجاوز الحاجز النظري.
من هنا كان لا بدّ للتعليم أن يسلك طريقاً مماثلاً ليواكب الوجه الجديد للحياة ويكون قادراً على الإيفاء بمتطلباتها. فأنتج القائمون على العملية التعليمية والمهتمون بها عدة نظريات وأبحاث وطرائق تحاول الوصول إلى الغاية المنشودة. وكانت أغلب هذه النتاجات ذات فائدة كبيرة بمختلف جوانبها أو أحد جوانبها على الأقل، ودخل التعليم مع مختلف هذه النتاجات مرحلة جديدة، بدأت تتغير معها معظم جوانبه النظرية القديمة، وأصبح في تطور وتجدد مستمر، لا يقف عند حدٍ معين بل دائماً ما تفتح مجالاته الجديدة فرصاً إبداعية تحاول الوصول إلى طرق أكثر حداثة من سابقاتها، قادرة بشكل أفضل على مواكبة العالم المتسارع في جميع أشكاله.
و نظرية التعلم الاجتماعي هي واحدة من هذه الجهود التي حاولت أن تطور التعلم والتعليم، ولقد تميزت هذه النظرية بشموليتها، ودراستها لمختلف نواحي التعلم، فلقد حاولت النظرية أن تلمّ بمختلف نظريات التعلم السابقة، وتستفيد منها، مشكلةً إياها في الإطار الأهم في العملية التربوية التعليمية، وهو الإطار الاجتماعي، الذي يمثل المدخل للتعليم أو المادة الأولى له والغاية منه، إنه بعبارةٍ أخرى ” الجسر الذي يحمل التعليم ليصل إلى نفسه “.
سيحاول هذا المقال الإلمام بمختلف جوانب نظرية التعلم الاجتماعي مبرزاً أهميتها، ومتوقفاً عند أبرز النقاط التي عالجتها النظرية، إضافةً لمحاولته تبيان الطرق التعليمية التي أفادت هذه النظرية، أو تلك التي نتجت عنها.
لقد اعتمد المقال في مجمله على مرجع واحد، هو كتاب نظريات التعلم (دراسة مقارنة) لـ : جورج إم غازدا، وريمون جي كورسيني وآخرون، ترجمة الدكتور علي حسين حجاج، ولقد كان عملنا في هذا البحث هو إلقاء الضوء على هذه النظرية، والقيام بتوضيح بعض النقاط فيها بحسب فهمنا لها، والتي لم تكن موضحة في الكتاب، إضافة إلى التلخيص والتصنيف والتنظيم بما يسهل فهم النظرية واستيعابها، لتحقيق الإفادة المرجوة منها.

مدخل:

إن أهم ما يجب تحديده قبل الولوج في أي موضوع للدراسة هو المصطلح، فالكثير من اصطلاحات العلوم الحديثة لا تحيل إلى معناها اللغوي الذي يتبادر للذهن منذ الوهلة الأولى، ولعل ذلك يرجع إلى أمورٍ كثيرة، أهمها : أن معظم الاصطلاحات الحديثة منقولة عن طريق الترجمة، وقلّما تستطيع الترجمة نقل المعنى بأمانة ولفظٍ منسجم معه.
ونظرية التعلم الاجتماعي ليست بعيدة عن هذا الإشكال، فمن خلال تتبع هذه النظرية تبين لنا أنها ليست نظريةً – كما يفهم من الوهلة الأولى – تعتمد على التعلم من المجتمع، أو نظرية تعتمد الطرق الاجتماعية في التعلم، ” إنها باختصار نظرية تستفيد من معطيات الحياة الاجتماعية في عملية التعلم “.
نشأت نظرية التعلم الاجتماعي على يد جوليان بي. روتر حيث استفادت من التقاليد الواسعة لكلٍ من نظرية التعلم ونظرية الشخصية، وتبحث هذه النظرية في السلوك المعقد للأشخاص في المواقف الاجتماعية المعقدة… كما تُحدث تكاملاً بين ثلاثة اتجاهات تاريخية واسعة في علم النفس هي : السلوك والمعرفة والدافعية وتؤكد النظرية على أنماط السلوك التي يجري تعلمها، والتي تتحدد في نفس الوقت بفعل متغيرات التوقع (المعرفة) وقيمة التعزيز (الدافعية) لذلك فإنّ نظرية التعلم الاجتماعي تجمع الخطوط المتنوعة للنظرية السلوكية ونظرية الدافعية ونظرية المواقف في إطار مطَّرد وثابت.
إنّ الشمولية التي تمتعت بها نظرية التعلم كما هو واضح آنفاً لم تكن وليدة فكر ضابط على مستوى فردي، فلقد عرفت تضاعيف هذه النظرية نظريتان أخريان من نظريات التعلم الاجتماعي سادتا الموقف بجانب نظرية روتر.
الأولى : هي نظرية “جون دولارد، ونيل ميلر ” التي تعد إحدى صيغ المثير والاستجابة، وقد أسهمت هذه الصيغة في إضفاء الجانب التجريبي على نظرية التعلم على أحد أهم جوانبها، وهو الجانب الإنتاجي المباشر ( مدى تحقق الفعل التعليمي وفعالية المثيرات ).
أمّا الثانية : فهي الطريقة التي قام بها “ألبرت باندورا” حيث يقدم مفهوماً للتعلم الاجتماعي يؤكد إلى حد كبير على دور الملاحظة، فالملاحظة المنصوص عليها هنا تنسجم إلى حد كبير مع التعريف الذي وضعناه لنظرية التعلم – بحسب فهمنا لهذه النظرية – وتشكل بالتالي ركناً أساسياً من أركانها، فالملاحظة هنا لمختلف جوانب العملية التربوية التعليمية من معلم ومتعلم وبيئة ووسائل وكذلك الجوانب الشخصية والسيكولوجية والبيولوجية والاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بهذه العملية بغية توظيفها على الشكل الأمثل، والذي يساهم في إعطاء أفضل النتائج المرجوة في السلوك النهائي للمتعلمين.
بدأت نظرية التعلم الاجتماعي تأخذ شكلها الحالي في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن المنصرم، ولقد نهلت هذه النظرية من مصادر متنوعة تضم علماء أمثال : أدلروفرويد و هل و ليفين و كانتور و ثورندايك و تولمان. ولم تتوقف هذه النظرية عن التطور ضمن أشكال واتجاهات متعددة فدخلت معظم ميادين التربية وعلم النفس والصحة العامة وتغيرات السلوك … وغيرها، كما لعبت دوراً هاماً في بناء الاختبارات ضمن الميادين السابقة، وخاصة اختبارات الشخصية.
التعلم الاجتماعي

أبرز النقاط التي اشتملت عليها النظرية :

1 – الدافعية ( الحافز ):

ركزت معظم نظريات التعلم و نظرية التعلم الاجتماعي على الدافعية بوصفها نقطة البدء في كل عملية تعليمية، فإذا لم تتوفر الرغبة في التعلم، ولم نستطع نحن توفيرها بطريقة ما، فمن المستحيل أن يحدث التعلم مهما بذلنا من جهود مضنية، وعلى هذا فإنّ أهم ما ينبغي أن تهتم به استراتيجيات التعلم بالدرجة الأولى هو تحقيق الدافعية، وما قامت نظرية التعلم الاجتماعي بإضافته ضمن هذه النقطة هو ( التوقع ) الذي يعد أبرز النقاط التي تحدثت عنها النظرية وربطته بمختلف القضايا التي عالجتها كما سيأتي. حيث تقول النظرية : ” يتحدد السلوك ليس عن طريق الأهداف والمعززات فحسب، بل كذلك عن طريق الحافز الذي يجعل المتعلم يؤمن بتحقق السلوك ويسعى إليه “.

2 – التعزيز:

يعتبر التعزيز أحد بواعث تكرار السلوك وإتقانه، كما يعتبر موصلاً إلى الدافعية (حافزاً للسلوك)، لذلك فكثيراً ما تربط نظريات التعلم بين مفهومي التعزيز والدافعية، أما نظرية التعلم الاجتماعي فقد ركزت على ربط مفاهيم التعزيز بالتوقع في إطار نظرية واحدة، ففي حين أنّ كل مفهوم يظهر قصوراً تنبئياً حاداً، فإن اتحاد المفهومين يصبح أداة قوية في خدمة التنبؤ.

3 – التوقع ( التنبؤ ):

يعد التنبؤ أكثر الجوانب التي اهتمت بها نظرية التعلم الاجتماعي ، وحاولت على الدوام من خلال تطبيقاتها الإجرائية الوصول إلى كيفية إنتاج توقعات تعميمية معينة، وجعلت من التنبؤ أحد غاياتها التي تسعى إلى تحقيقها في إطار الضبط للعملية التعليمية. وربطته كما رأينا وسنرى بمختلف جوانبها، ومرتكزاتها الأساسية.

4 – الثقة المتبادلة بين الأشخاص:

الكثير من السلوك الإنساني إنّما يحدث في بيئة مليئة بالمعاني، ويُكتسب من خلال التفاعل الاجتماعي مع الناس الآخرين“، انطلاقاً من هذه المسلّمة قدّم روتر عام 1966 مفهوم الثقة المتبادلة بين الأشخاص، وألح على هذا المفهوم من أجل تعلم يقوم على المصداقية والثبات، كما ربط توقعات حل المشكلات بالأفكار المتعلقة بالثقة المتبادلة بين الأشخاص، والضبطين الداخلي والخارجي للتعزيز، وقد أدى هذا المفهوم إلى أبحاث هامة، وعنه نشأت مؤخراً طريقة التفاوض في التعليم.

5 – الخبرة السابقة أو المعرفة:

خبرات الإنسان تؤثر على ببعضها البعض، وبعبارة أخرى فإنّ للشخصية وحدة، حيث تتلون الخبرة الجديدة بالمعاني المكتسبة، والمعاني التي سبق اكتسابها تتأثر وتتغير بفعل الخبرة الجديدة، ومن ناحية مثالية فإنّ التنبؤ الكامل للسلوك المتعلَّم يتطلب معرفة تامة بالخبرات.

6 – الشخصية:

إن من أكثر القضايا التي نالت اهتماماً ملحوظاً في نظرية التعلم الاجتماعي هي الشخصية، فهي نظرية موجهة نحو الشخصية، فبالإضافة إلى اهتمامها بالتوقع والدافعية وقيمة التعزيز، فإنها تركز بشكل كبير على الحاجة وحرية الحرية وقيمة الحاجة، وترى في هذه الأمور ضرورات لابدّ منها لبناء الشخصية، وفي سعيها لتطوير الشخصية لا تحاول نظرية التعلم الاجتماعي البحث في الشخصية البالغة النمو فحسب، وإنما في مسألة تطور الشخصية وهي بهذا تؤكد على دور خبرة الأفراد وعلى الاختلافات بينهم في المواقف التي يواجهونها.

7 – الفروق الفردية :

تعتبر نظرية التعلم الاجتماعي الفروق الفردية جزءاً مهماً من النسيج الاجتماعي الذي لابدّ من أخذه بعين الاعتبار أثناء عملية التعلم، ولهذا فهي تركز على دور الفروق الفردية في الوقوف موقف الوسيط في عملية السلوك والتعلم.

قضايا نظرية التعلم الاجتماعي :

1- وحدة البحث هي التفاعل بين الفرد وبيئته المعنوية (ذات المعنى) : أي أنّ التنبؤ المفيد للسلوك الإنساني لا يمكن أن يتم بدون وصف ملائم للبيئة أو المواقف التي يحدث فيها السلوك. ويشير تعبير ذات المعنى إلى البيئة كما تُدْرَك، أي : كما يراها الفرد، وبعبارة أخرى فإن أهمية البيئة لا تكمن في مؤشراتها الموضوعية، وإنما في المعنى الذي تكتسبه بالنسبة للفرد، وهذا يعتمد على الخبرات السابقة، ومدى نضج هذه الخبرات بما يشكل هذا المعنى أو ذاك في ذات الفرد.
2- تراكيب هذه النظرية لا تعتمد في تفسيرها على تراكيب من أي مجال آخر، حيث يرى روترأنه من أجل إنتاج تعليم جيد، علينا أن لا نحاول تفسير جزئيات هذا التعليم من خلال أمور خارجة عنه، فيجب الانطلاق من التعليم للوصول إليه“.
3- يحدث السلوك في زمان ومكان، ويمكن أن يتم وصفه عن طريق تراكيب سيكولوجية، وأيضاً عن طريق تراكيب طبيعية.
4- ليس من الممكن وصف كل السلوك بطريقة مفيدة من خلال التراكيب الخاصة بالشخصية، فمستوى تطور الكائن الحي وتعقيداته، ومراحل نموه هي من الأمور الحاسمة.
5- السلوك له جانب اتجاهي، وقد يقال السلوك موجه نحو الهدف، والجانب الاتجاهي يمكن استخلاصه من أثر الظروف المعززة، وهذا ما يبرز دور الدافعية في السلوك الإنساني.
التعلم الاجتماعي

أهمية نظرية التعلم الاجتماعي :

– إنّ روتر لم ينظر إلى الموضوع من حيث إذا كانت النظرية أو مفاهيمها حقيقية أو تصل إلى جوهر الواقع، لكنّ اهتمامه كان منصباً على النفعية، فمقياس النظرية الجيدة هو ما إذا كانت مفيدة في فهم الأحداث التي نسعى للتعامل معها، فهو يرى أنّ النظرية لا تقدم مخططاً للحقيقة أو الواقع، بل طريقة للنظر إلى الأحداث ومنهجا لتفسير العالم.
– إنّ المناهج المستخدمة في نظرية التعلم تهدف إلى هدفين عامين، الأول : هو تعليل الطريقة التي يكتسب بها الأفراد أنماط سلوكهم أو يقومون بتغيير هذه الأنماط، والثاني : تحديد الظروف التي يختارون في ظلّها أن يسلكوا طريقاً دون آخر، وهذا ما أطلق عليه روتر (النظرية العملية)، التي تحاول تحديد العلاقات بين الحوادث السابقة والسلوك اللاحق… كما تحاول تحديد العلاقات المجردة بين المتغيرات.
– إنّ معظم نظريات التعلم تركز على كيفية التعلم أكثر من محتوى التعلم… ولكن نظرية التعلم الاجتماعي ترى أنّ الاهتمام بالمحتوى شيء أساسي، لذلك فهي تنظر إلى متغيرات التعلم في صورة أعضاء مترابطة وظيفياً.

الخاتمة :

لم يكن هذا البحث يستهدف، عرضاً لنظرية التعلم الاجتماعي فحسب، وإنّما حاول تقديم قراءة جديدة لها، تستفيد من نصّها الأساسي لتحاول من خلال إعادة التنظيم والتصنيف تقديم فهم جديد يسهم في تطويرها، فحاولت استخراج نقاط بارزة في النظرية وإضاءتها ليسهل استخدامها في الجانب الوظيفي التطبيقي، كما شرح بعض النقاط التي نالت منها أساليب الترجمة فحولتها إلى غموض واضطراب.
وحاولتُ في النهاية أن أبرز أهمية هذه النظرية من خلال نصوص تفرقت فيها هنا وهناك، فقمت بجمعها ضمن نسق واحد، لنستنتج في الختام الطرائق التي نتجت عن تلك النظرية والتي استفادت من معطياتها موضحةً دورها في الجانب الإجرائي.
أخيراً لا بد أن نذكر أن هذه النظرية لا تمثل ولن تكون حلقة نهائية في العملية التربوية التعليمية، على الرغم مما تمتعت به من شمولية واتساع ضمّت الكثير من الميادين الأخرى. فالعالم المتسارع من حولنا يتطلب إبداعاً مماثلاً يحاول دائماً أن يرتقي به نحو الأفضل.
 
 

نظرية التعلم الاجتماعي وتأثيرها المستمر في العملية التعليمية للكاتبه الكاتب : رقية السهلي

نظرية التعلم الاجتماعي وتأثيرها المستمر في العملية التعليميةيعد التقليد والمحاكاة سمة طبيعية لدى الإنسان سواء كان طفلاً أو راشداً، كون الإنسان في عملية تعلم مستمر، وهذا الأمر يفرض عليه تحديات جديدة قد لا يملكها  في الوقت الراهن، وبالتالي سيلجأ لتعلمها من خلال مشاهدة نماذج أخرى تؤديها أو من خلال القراءة عنها في الكتب. ولا يتوقف التعلم من خلال النموذج فقط على المعارف والمهارات بل يتسع ليشمل العواطف والمشاعر وكيفية التعبير عنها، بمعنى أن الطفل الذي يشاهد والدته ترفع من نبرة صوتها وتلجأ للصراخ عندما تغضب، سيقوم  بمحاكاة ردة فعلها العاطفية بنفس الطريقة عندما تعتريه نوبة غضب؛ لأن هذا ما شاهده وتعلمه كطريقة للتنفيس عن الغضب، بخلاف الطفل الذي يشاهد والده عندما يغضب يلجأ للصمت فسيقوم حتما بمحاكاة ذات الأسلوب في غضبه. وهذا الأسلوب في التعلم -التعلم بالملاحظة- ليس بجديد في المجال الديني على الأقل، فقد كان من الأساليب التربوية التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم، لتعليم الناس أمور دينهم مثل الصلاة، والحج وغيرها، كما أن القرآن الكريم يحتوي على الكثير من القصص التي فيها عبر لأولي الألباب. ولكن الجديد هنا في فكرة التعلم بالملاحظة أن ألبرت باندورا صاحب نظرية التعلم بالملاحظة أو التعلم الاجتماعي وضع لها أسسا نفسية معرفية تفيد المربي، والوالدين في معرفة الطريقة التي يتم بها التعلم بالملاحظة و العمليات العقلية التي يحتاجها الشخص ليحدث عنده هذه النوع من التعلم الذي يختصر على المتعلم أو المربي الكثير من الجهد والوقت لاكتساب المعارف والمهارات.

1- مفهوم نظرية التعلم الاجتماعي

يندرج مفهوم نموذج التعلم بالملاحظة ضمن حقل سوسيولوجيا التربية، و يقوم على افتراض مفاده أن الإنسان ككائن اجتماعي، يتأثر باتجاهات الآخرين ومشاعرهم وتصرفاتهم وسلوكاتهم، أي أن باستطاعته التعلم منهم عن طريق ملاحظة استجاباتهم وتقليدها و إمكانية التأثر بالثواب و العقاب على نحو بديلي ( غير مباشر )  و هذا ما يعطي التعليم طابعاً تربوياً لأن التعلم لا يتم في فراغ بل في محيط اجتماعي (نشواتي ،2005).
و تعرف هذه النظرية بأسماء أخرى مثل نظرية التعلم بالملاحظة و التقليد، أو نظرية التعلم بالنمذجة، أو نظرية التعلم الاجتماعي، و هي من النظريات التوفيقية؛ لأنها حلقة وصل بين النظريات السلوكية و النظريات المعرفية، ففي التعلم الاجتماعي يتم استخدام كل من التعزيز الخارجي و التفسير الداخلي للتعلم ( أبو شعيرة و غباري ، 2009).

2- نواتج التعلم الاجتماعي

ينتج عن التعلم بواسطة نظرية التعلم الاجتماعي ثلاثة أنواع من التعلم وهي:

أولاً : تعلم استجابات جديدة

يستطيع الملاحظ تعلم أنماط سلوك جديدة إذا لاحظ أداء الآخرين، كالطفل الذي يقلد والدته الواقفة على الكرسي لتناول شيء من رف مرتفع، و لا يتأثر سلوك الملاحظ بالنماذج الحية فقط بل بالتمثيلات الصورية و الرمزية عبر الصحافة و الكتب و السينما مثل تعلم كيفية تربية الطفل من خلال قراءة كتب في الطفولة وغيره ( اللصاصمة، 2011، أبو شعيرة و غباري، 2009).

ثانياً : الكف و التحرير

يقصد بالكف  إعاقة و تجنب أداء السلوك من الفرد عندما يواجه النموذج عقاباً جراء انهماكه في هذا السلوك، كمشاهدة حادثة سير نتيجة السرعة فيقلل السائق من سرعته(الدوجان، 2009).

ثالثاً : التسهيل

يتناول التسهيل السلوكيات التي يندر حدوثها أو تواترها بسبب النسيان أو عدم الاستخدام فيعمل على تواترها و ظهورها عن طريق الملاحظة. و كمثال على ذلك تواجد شخص لفترة معينة في منطقة تتحدث اللغة الإنجليزية وبعد عودته إلى بلده لم يعد يمارس هذه اللغة، إلا أنه بعد زيارة صديق له من تلك المنطقة يعود فيمارس الحديث بتلك اللغة. (اللصاصمة ، 2011).

3- آليات التعلم الاجتماعي

يرى باندورا أن التعلم بالملاحظة يتضمن أربع آليات رئيسية، و هي:

أولاً: التفاعلية التبادلية

السلوك الإنساني يحدث داخل تفاعلية تبادلية ثلاثية هي: السلوك و المتغيرات البيئية و العوامل الشخصية؛ و تتضح التفاعلية في أحد مصطلحات باندورا و هو الكفاية الذاتية (هي توقعات الفرد واعتقاده حول كفاءته الشخصية في مجال معين)، و قد بينت الدراسات أن الكفاية الذاتية تؤثر في دافعية الفرد للسلوك أو عدم السلوك في موقف ما، كما تؤثر في طبيعة ونوعية الأهداف التي يضعها الأفراد لأنفسهم وفي مستوى المثابرة والأداء ( غباري و أبو شعيرة، 1430).

ثانياً : العمليات الإبدالية

ليس ضروريا أن يتعرض الفرد لممارسة الخبرة بنفسه كي يتعلم ، بل يمكن اكتسابها على نحو بديلي (غير مباشر) من خلال ملاحظة الآخرين، و يعني ذلك إمكانية تأثر سلوك الفرد (الملاحظ) بالثواب و العقاب على نحو بديلي (غير مباشر) حيث يتخيل المتعلم نفسه مكان النموذج، مثل : تعلم الخوف من الحشرات و الحيوانات، فليس ضرورياً أن يتعرض الفرد للدغة الأفعى كي يعرف أنها خطيرة (اللصاصمة، 2011).
و يجدر التنويه الى أن الثواب و العقاب غير مسؤولين عن تعلم السلوك مسؤولية مباشرة، بل ملاحظة سلوك النموذج، و محاكاة الاستجابات الصادرة عنه، هما المسؤولين عن التعلم (نشواتي، 2009).

ثالثاً: العمليات المعرفية

يحدث التعلم بالملاحظة عندما يقوم الشخص الملاحظ بتسجيل استجابات النموذج و تخزينها على نحو رمزي ثم يقوم باستخدامها كقرائن عندما يريد أداء هذه الاستجابات على نحو ظاهري، و هذا يشير إلى التأكيد على بعض العمليات المعرفية في تفسير عملية التعلم.
و مثل هذه العمليات تتم على نحو انتقائي و تتأثر بدرجة كبيرة بالعديد من العمليات المعرفية لدى الفرد الملاحظ، كما أن عملية تعلم استجابة ما من خلال الملاحظة و أداء مثل هذه الاستجابة يخضع إلى عمليات وسيطية مثل الاستدلال و التوقع و الإدراك و عمليات التمثيل الرمزي (الزغلول ، 2010).

رابعاً: عمليات التنظيم الذاتي

أن الفرد ينظم الأنماط السلوكية في ضوء النتائج المتوقعة منها، فتوقع النتائج المترتبة يحدد إمكانية تعلم السلوك من عدمه. (الزغلول، 2010).

4- مصادر التعلم الاجتماعي

يتطلب التعلم بالملاحظة والمحاكاة عملية التفاعل الاجتماعي مع الآخرين، وقد يكون هذا التفاعل مباشراً أو غير مباشر، ومن مصادر هذا التعلم ما أشار له (الزغلول،2010):

أ- التفاعل المباشر مع الأشخاص الحقيقيين في الحياة الواقعية

يمكن أن يتعلم الفرد العديد من الخبرات والأنماط السلوكية من خلال التفاعل اليومي المباشر عن طريق ملاحظة نماذج حية في البيئة. فنحن نتعلم من خلال التفاعل مع الوالدين والأقران وأفراد المجتمع الذي نعيش فيه. فعلى سبيل المثال، نجد أن الأطفال يتعلمون الكثير من الأنماط السلوكية من خلال محاكاة سلوك والديهم أو أفراد الأسرة التي يعيشون في ظلها، كما أنهم يتمثلون خصائص جنسهم والأدوار الاجتماعية والمهارات الحركية من خلال التفاعل مع الآخرين، كما يتم كذلك تعلم اللغات واللهجات على نحو مباشر من خلال التفاعل مع أفراد المجتمع الذي نعيش فيه.

ب- التفاعل غير المباشر ويتمثل في وسائل الإعلام المختلفة كالتلفزيون والراديو

يمكن من خلال هذه الوسائل تعلم الكثير من الأنماط السلوكية، إذ أن مثل هذه الوسائل تعد أدواتا إعلامية مؤثرة في السلوك. ويصنف التعلم الذي يتم من خلال التلفزيون والسينما في إطار التمثيل من خلال الصور، حيث أن الصور هي أكثر قدرة على نقل حجم معلومات أكبر مقارنة بالأشكال المعتمدة على الوصف اللفظي. وقد أشارت العديد من الدراسات إلى أثر التلفزيون السلبي في إكساب الطفل سلوكيات عدوانية من خلال مشاهدتهم للرسوم المتحركة.

ج- مصادر أخرى غير مباشرة يمكن من خلالها تمثل بعض الأنماط السلوكية

من هذه المصادر: القصص والروايات الأدبية والدينية، وكذلك من خلال تمثل الشخصيات الأسطورية والتاريخية.

5- هل تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي من مصادر التعلم الاجتماعي ؟

نعم، فمتابعة شخص ذو توجه فكري معين في تويتر أو الفيس بوك يؤدي  إلى تعلم الشخص أنماط تفكير لم تكن موجودة لديه وبالتالي تطبيقها على شكل أفعال معينة. وليس بالضرورة أن يكون هذا التوجه الفكري سلبيا، بل قد يكون إيجابيافي كثير من الحالات. كما أن موقع إنستقرام الشهير أدى إلى تعلم الأشخاص أنماطا سلوكية عالمية، كونه يضم العديد من المتابعين من مختلف دول العالم وهذا بدوره ساهم في اكتساب المتابعين للكثير من السلوكيات والمعارف التي لم تكن شائعة في بيئاتهم المحلية مثل طريقة طهو بعض المأكولات أو طريقة إعداد المائدة أو التعرف على بعض المناطق السياحية من خلال متابعة الحسابات الخاصة بذلك وغيرها. كما ساهم كذلك في تعليم بعض الهوايات التي لم تكن معروفة أو مألوفة مما أدى بالكثير من الأشخاص إلى البحث عن هذه الهوايات وتعلمها وبالتالي ممارستها.

6- مراحل التعلم الاجتماعي

يتطلب التعلم بالملاحظة والمحاكاة وجود نماذج يتفاعل معها الفرد على نحو مباشر أو غير مباشر، ويجب توفر أربعة عوامل تتمثل في (الزغلول، 2010):
مراحل التعلم حسب نظرية التعلم الاجتماعي

أولاً: الانتباه والاهتمام

يعتبر الانتباه من العوامل الأساسية التي تدعو الشخص لمحاكاة سلوك معين، إذ بدون توفر هذا العامل لا يحدث  التعلم. ويتوقف الانتباه على عدد من العوامل منها:
1.عوامل مرتبطة بالنموذج الذي يرغب الشخص في تقليده أو محاكاته
لا بد أن يتوفر في النموذج عدد من السمات حتى ينجذب له الشخص، وبالتالي يعمل على تقليده. ومن هذه السمات: المكانة الاجتماعية والاقتصادية للشخص، شهرة النموذج المقلد مثل اللاعبين والممثلين والدعاة، والسلطة والجاذبية من ناحية المظهر أو الأسلوب الحواري وغيره. فالنماذج التي تمتاز بمثل هذه السمات عادة ما تجذب انتباه الآخرين لما تعرضه من أنماط سلوكية.
2.عوامل مرتبطة بالشخص المٌقلد أو الُمحاكي للنموذج
وتتمثل في سمات شخصية و نفسية للشخص المُقلد مثل نظرة الشخص لذاته. فالأفراد الذين يملكون مفهوم ذات مرتفع أقل ميلاً للمحاكاة أو التقليد مقارنة بالأفراد الذين يملكون مفهوم ذات منخفض، كما أن وجود الدافعية لدى الشخص المقلد  يدفعه لتعلم خبرات أو أنماط سلوكية معينة، ليحقق هدفا ما.
3.درجة التشابه بين الشخص المقلد والنموذج الذي يتم تقليده
تزداد فرصة الانتباه للأنماط السلوكية التي يعرضها النموذج في حالة وجود خصائص مشتركة تربطه بالآخرين، كالجنس والمستوى العلمي والبيئة الثقافية وبعض الخصائص الشخصية كالميول والاهتمامات والاتجاهات.
4.الأهمية المترتبة على السلوك الذي يعرضه النموذج الذي يتم تقليده
حيث يزداد الانتباه لسلوكيات النماذج التي تبدو ذات أهمية وقيمة للآخرين.

ثانياً: الاحتفاظ

تجدر الإشارة هنا إلى أن التعلم بواسطة الملاحظة والتقليد لا تظهر نتيجته بشكل فوري ومباشر بعد مشاهدة السلوك المطلوب تعلمه أو ملاحظته، وإنما يتم الاحتفاظ به واللجوء إليه عندما تقتضيه الحاجة. وهذا يتطلب توفر قدرات معرفية معينة لدى الفرد  كالتخزين في الذاكرة والتذكر والاستدعاء. وتمثل هذه السلوكيات على نحو لفظي أو صوري أو حركي. كما تلعب عملية الممارسة والإعادة دورا كبيرا في تسهيل الاحتفاظ بالأنماط السلوكية التي يتم ملاحظتها وإعادة إنتاجها لاحقاً. ومن هذا المنطلق ينبغي التنويع في النماذج المعروضة على الأفراد وعرضها أكثر من مرة عليهم حتى يسهل عليهم ترميزها.

ثالثاً:الإنتاج أو الأداء أو الاستخراج الحركي

الاستدلال على حدوث التعلم بالملاحظة لدى الأفراد يتطلب أن يملك الشخص قدرات لفظية أو حركية، حتى يجسد هذا التعلم في أداء أو فعل خارجي قابل للقياس والملاحظة. ويتطلب ذلك توفر عامل النضج والملاحظة والممارسة. كما أن إنتاج الفعل السلوكي لا يعني بالضرورة أن يكون هذا الفعل صورة طبق الأصل للسلوك الملاحظ، فقد يعمل الفرد على إنتاج السلوك بشكل يتلاءم مع توقعاته.

رابعاً: الدافعية

يعتمد التعلم بالملاحظة على وجود دافع لدى الفرد لتعلم نمط سلوكي معين، وترجمة هذا التعلم في أداء ظاهر كذلك. ويتوقف الدافع على عدد من العوامل منها النتائج التعزيزية أو العقابية (النتائج الخارجية) المترتبة على سلوك النموذج، كما يعتمد أيضاً على العمليات المنظمة ذاتياً أي التعزيز الداخلي. أيضاً، قد يشكل السلوك الذي يعرضه النموذج دافعاً بحد ذاته للملاحظ  لتعلمه، كونه يشكل أهمية في تحقيق أهدافه.

7- كيف يمكن أن نستفيد من نظرية التعلم الاجتماعي في المجال التعليمي؟

يمكن أن يسهم التعلم بالملاحظة في تشكيل الكثير من الأنماط السلوكية و المعارف منها:
كيف يمكن أن نستفيد من نظرية التعلم الاجتماعي في المجال التعليمي

8- هل يمكن تعلم السلوك الإبداعي من خلال نظرية التعلم الاجتماعي ؟

نعم، فالتعلم بالملاحظة يساعد على تعلم السلوك الإبداعي، وذلك من خلال التعرض إلى عدد كبير من النماذج بحيث يعمل الفرد على استخلاص سلوكيات هذه النماذج لتوليد سلوكيات جديدة ومبتكرة.
كما يشير الدكتور وليد فتيحي صاحب مستشفى المركز الطبي في برنامجه الشهير (ومحياي):
“أن السلوك الإبداعي يمكن تعلمه إذا خصص الشخص ساعة يومياً للتدرب عليه بشكل منتظم”.
خاتمة
تعد نظرية التعلم الاجتماعي من النظريات الممتدة الأثر سواء في الأوساط التعليمية أو التربوية أو التجارية، وذلك من منطلق كونها تفسر بشكل كبير طريقة التعلم التي يمارسها الفرد من خلال المحاكاة والتقليد، وبالتالي يجب علينا بعد تعرفنا على هذه النظرية أن نكون أكثر وعيا بتأثيرنا المباشر والغير مباشر في أطفالنا أو طلابنا، ونسعى أن نكون مثالاً جيدًا لما ندعوهم أن يكونوا عليه.
المراجع
  • أبو شعيرة ، خالد محمد وَ غباري ، ثائر أحمد ( 2009 ) : سيكولوجيا النمو الإنساني : بين الطفولة و المراهقة ، ط1 . الأردن –عمان : مكتبة المجتمع العربي .
  • الدوجان ، خالد إبراهيم ( 2009 ) : الوجيز في علم النفس التربوي . ط2 . الرياض : مكتبة الرشد
  • الزغلول ، عماد (2010) .نظريات التعلم .رام الله :دار الشروق .
  • اللصاصمة، محمد حرب ( 2011م ) . المنحنى الاستراتيجي الشامل لعلم النفس التربوي : بين النظرية و التطبيق . ط1 . الأردن _ عمان : دار البركة .
  • النشواتي، عبدالمجيد (2005). علم النفس التربوي. بيروت: مؤسسة الرسالة.

الكاتب : رقية السهلي

نظرية التعلم الاجتماعي وفكرتها 1